البوابة
المكتئب النعّاب
الدلالات اللغوية :
هذه نماذج لما يسمى الإكتئاب النعّاب ( Nagging Depression ) , ولنرجع إلى المعانى اللغوية لإسم هذا المرض لكى نفهم دلالاتها الهامة , فكلمة Nagging فى اللغة الإنجليزية تعنى الفرس الهرم أو الضعيف , وتعنى التذمر أو الشكوى باستمرار أو النقّ والإزعاج المتصل أو المضايقة والنكد ( قاموس المورد : إنجليزى عربى - منير البعلبكى - الطبعة السابعة عشرة 1983 – دار العلم للملايين , بيروت , ص 263 ) , وكلمة نعّاب مأخوذة من نعب الغراب – نعيبا , ونعابا , وتنعابا : أى صاح وصوّت . والنّعاب : الذى ينعب كثيرا ( المعجم الوجيز – مجمع اللغة العربية , مصر , 1423 ه – 2002 م , ص 623 ) .
الصورة الإكلينيكية :
والمكتئب النعّاب يشكو من أعراض الإكتئاب المعتادة مثل المزاج الحزين وفقد القدرة على الإستمتاع بأى شئ واضطراب النوم والإحساس بالدونية وفقد الأمل وقلة الحيلة والنظرة المتشائمة للمستقبل وفقد الشهية للطعام ( وأحيانا زيادتها ) , وفقد الوزن ( وأحيانا زيادته) , والإحساس بالذنب , والرغبة فى الخلاص من الحياة , ويزيد على هذه الأعراض فى نوع الإكتئاب النعّاب حالة من القلق الزائد والخوف المجهول وتعلق المريض بمن حوله بطريقة زائدة ومزعجة بحيث يريدهم حوله طول الوقت وكأنه طفل يخشى أن يتركه أبواه , وسلبية بالغة تجاه المرض وتجاه الأحداث , والعرض الأهم هو الشكوى المستمرة ليل نهار من أعراض نفسية أو جسمانية غير محددة . وعلى الرغم من شكوى المريض ( أو المريضة ) فإنه لا ينتظم فى تعاطى العلاجات الموصوفة ويتذرع بأنها أتعبته أو سببت له أعراضا جانبية . ونحن نعرف هذا المريض من كل ماسبق ومن عبارات مهمة يقولها عند حضوره للمتابعات , فما أن يدخل غرفة الكشف حتى يقول : " أنا ماارتحتش يادكتور أنا حالتى ساءت بالعلاج .... أنا حالتى أوحش بكتير من الأول .... أنا زى الزفت الأيام دى ....... أنا حاسس إنى مش هاخف يادكتور ....... أنا مرضى ده مالوش علاج ...... تفتكر ممكن أخف يادكتور .....؟؟؟؟؟. " .
هذه أمثله حية لنوع من أنواع الإكتئاب المزعج ، ينزعج منه أهل المريض نتيجة للشكوى المستمرة (الزن والنق) من المريض (أو المريضة) ونتيجة للإعتمادية الطفلية اللزجة منه عليهم , تلك الاعتمادية التى تكاد تخنقهم فضلاً عن إثارة غضبهم وحيرتهم وكثير من المشاعر المتناقضة الأخرى نحو المريض ، كما أنه يزعج الطبيب أيضاً لأن هذا المريض يقاوم كل أنواع العلاجات وفى كل مرة يحضر إلى الطبيب يبادر بالقول : « أنا ما ارتحتش يادكتور ..الدوا ده ماجابش أى نتيجه ..أنا حالتى بتسوء لما باخذه » , وينظر المريض من طرف خفى إلى الطبيب ليرى علامات الإحباط واليأس على وجهه وربما أيضاً علامات الغضب ، والمهم لدى المريض هو إعلان الفشل من جانب الطبيب حتى يظل الوضع على ما هو عليه .