طباعة

لم أعد أبكي!

Posted in الثقافة


الجميل في هذه القصة، أنها قصة نجاح، أو في أسوأ الأحوال قصة صمود وكفاح امرأة مطلقة، في بلد يعتبر فيه حتى بعض أفضل الناس تعليماً الانفصال نهاية الحياة الدنيا للمرأة، بحيث إن أغلب النساء مهما بلغت درجة استقلالهن المادي يصبرن على علاقات زوجية مؤلمة وسيئة..وقاتلة لنفسياتهن.
فعلى الطرف المقابل هناك صديقة أخرى عزيزة أيضاً، متعلمة وجذابة جداً ولطيفة، تعيش أوضاعاً صعبة مع زوج عنيف، بذيء اللسان، يتصرف معها وكأنه الآمر الناهي في هذه الحياة، ويطلب منها أموراً غير منطقية، فقط ليختبر طاعتها له. صديقتي هذه لا تفكر بطلب الانفصال، من أجل ولديها كما تقول، ولكن في الحقيقة فإن ما يمنعها هو خوفها من الحياة كامرأة مطلقة، لأنها لا تعرف كيف ستتصرف، وبالتالي فهي تعيش حياة بائسة، مع زوج لا يقدرها، وتتحول شيئاً فشيئاً إلى إنسانة سوداوية ويائسة من الحياة، تزور العيادات النفسية خلسة وهي بعد في أواسط العشرين.
الملفت للانتباه، أن الصديقتين تلقيان على والديهما بجزء من المسؤولية في فشل هذه الزيجات بسبب طريقة التربية. فالأولى تقول إن عنف والديها جعلها تشعر بأن كل شيء يمكن أن يؤخذ بالقوة فقط، وأن عليها أن تدافع عن نفسها مهما يكن. وتعرضت الصديقة الثانية للشيء ذاته، ولم تعلمها والدتها أبداً كيف تتصرف مع الناس، بل كانت تقول لها يجب أن تخبريني بكل شيء وأنا أقرر إن كان صواباً أو خطأ، ولم يكن لها تجارب في الحياة كما هي الحال مع أغلب النساء في بلادنا، حيث لا يمكن أن تتعلمي الكثير وأنتِ في البيت وتتحركين في دائرة ضيقة، ولكن ردة فعلها كانت العكس! أي إن ذلك جعلها خانعة ومستسلمة منذ البداية لزوج يعتقد، على ما يبدو، أنه نبي معصوم! ولعل هذا يطرح إشكالية الزواج المبكر في عالم اليوم المعقد، لا سيما ونسب الطلاق الأعلى، حسب الدراسات العددية التي نقرأ عنها، تشير إلى أنه يقع في هذه الفئة.
هل هذا المقال إذن دعوة للطلاق وللترغيب فيه وهو أبغض الحلال؟
الجواب هو بالتأكيد لا! لكن هناك ثلاثة أمور جديرة بالانتباه:
الأول: على الفتاة ألا تتنازل عن طلب العلم والمعرفة وعن البحث عن وظيفة جيدة تقيها عثرات الزمن، فهذا الاستقلال المادي والمعنوي، لا يجعلها تزهد في بيتها وزوجها كما يعتقد بعض الرجال من مهزوزي الشخصية، وإنما يجعلها قادرة على التفكير بحرية (قبل وبعد الزواج)، وفي اتخاذ القرارات المناسبة دون أن تخشى ذل المسألة، أو أن تصبح عبئاً على أهلٍ سيتخلصون منها مع أول طارق للباب! وما أجمل أن يعرف الرجل أن زوجته تعيش معه لأنها تحبه وتريده ولا تستطيع أن تبتعد عنه عاطفياً، وليس لأنه ليس أمامها خيار آخر على طريقة مجبر أخاك لا بطل.
الثاني: إن الطلاق أبغض الحلال نعم، ولكنه حلال وأباحه المشرع لحكمة يعلمها، وهو أنه لم يخلق كل الناس ليكونوا متوائمين، وأيضاً لأن المرء يعيش في الحياة الدنيا لمرة واحدة، ومن حقه أن يعيش بسعادة ورضا مع شخص يقدره. وبالتالي إذا تأزمت العلاقة بين شخصين إلى درجة أن الإنسان بدأ يكره نفسه، أو يكره الحياة نفسها، وحلت الغلظة والنفور محل السكن والرحمة، فلا يجب أن تخجل امرأة ما (أو رجل) من طلب الطلاق، وسيغني الله كلاً من سعته. وحتى الأطفال فربما من الأفضل أن يعيشوا مع أحد الوالدين باطمئنان بدل أن يشهدوا علاقة عنيفة تدمر حياتهم مستقبلاً. والطلاق وقع في زمن الصحابة، وتطلقت بعض الصحابيات، وتزوج الرسول صلى الله عليه وسلم من مطلقة وهي السيدة (زينب بنت جحش) طليقة زيد بن حارثة رضوان الله عليهما، فلا يجب أن يشعر رجل بأن زواجه من مطلقة عيب، فلن يكون خيراً من خير البشر.

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed