البوابة
الفكر التربوي الإسلامي
ومع وجود بعض الأنظمة التّعليمية التي أسست على عناصر إسلاميّة في فلسفتها، في بعض الدول الإسلاميّة، أو المؤسسات الإسلاميّة، أو الأحزاب الإسلاميّة، فإن الاستفادة من هذه التجارب لتطوير الفكر النظري ليست دائماً أمراً ممكناً. لأن تقويم هذه التجارب يتدخل فيه أحياناً أنها تعكس تأثير مجتمعاتها عليها، وأحياناً أخرى مواجهة مجتمعاتها لها، باعتبارها تجارب تغيير تواجه مقاومة التجديد، وأحياناً أخرى قصور جوانب عملية فيها، لا يتحمل مسؤوليتها الفكر النظري الذي قامت عليه. وبذلك يمكننا القول إن الفكر الإسلامي التربوي يواجه نقصاً في رصيد التجربة العملية في الوقت الذي يواجه فيه تحدياً في رصيد البناء النظري.
ومما يوضح ذلك مثلاً أن المفكرين الإسلاميين يعالجون النظرة لواقع بعيد عن الإسلام، في نفس الوقت الذي يعالجون فيه التصور عن عالمية الإسلام وتأثيره الشامل على واقع العالم كله.
ومع ظهور هذه الإشكالات أمام الفكر الإسلامي التربوي فإن من الواضح أن المفكرين الإسلاميين يعملون بجد لمعالجتها، وأن كثيراً من المعالجات التي قدمت عبرت عن اجتهاد متين، ودفعت هذا الفكر للنمو والتطور، لكن يبدو أن الاختلاف في المسائل التي تمت معالجتها، تبعه اختلاف في مناهج البحث التي اعتمدت، مما يدعو للاعتقاد أن ترتيب مسلمات هذا الفكر، ومنهجيته، وفرضياته ونظرته عن الواقع، ما زالت عملية لم تنته بعد.
وقبل أن يختم هذا العرض للاتجاه الفكري التربوي الإسلامي، وحتى لا يقتصر البحث على مجرد أحكام شخصية، فسننقل نموذجاً لما أقره جمع من المختصين التربويين المسلمين، واعتبروه أساساً لتقرير عن واقع وتطوير التّعليم في العالم الإسلامي، وهو مقدمة توصيات المؤتمر العالمي الأول للتعليم الإسلامي الذي عقد في مكة المكرمة عام 1397هـ- 1977م، والذي جاء فيه تحت عنوان "المفاهيم والتصورات والأهداف":
" إن هدف التّعليم الإسلامي هو تنشئة الإنسان الصالح" الذي يعبد الله حق عبادته، ويعمر الأرض وفق شريعته ويسخرها لخدمة العقيدة وفق منهجه.
"ومفهوم العبادة في الإسلام مفهوم واسع شامل، لا يقتصر على أداء الشعائر التعبدية فحسب، بل يشمل نشاط الإنسان كله من اعتقاد وفكر وشعور وتصور وعمل ما دام الإنسان يتوجه بهذا النشاط إلى الله ويلتزم فيه شرعه، ويسير على منهجه، تحقيقاً لقوله سبحانه: } وما خَلَقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إِلاّ ليَعْبُدون { [الذاريات: 56] وقوله سبحانه: } قُلْ إِنَّ صَلاتي ونُسُكي ومحْيايَ ومَماتي لله ربّ العالَمين لا شَريكَ لَهُ...{. [الأنعام: 162-163].
" وعلى ذلك فإن عمارة الأرض وتسخير ما أودع الله فيها من ثروات وطاقات وابتغاء ما بثه الله على ظهرها من أرزاق، وما يلزم لذلك من التعرف على سنن الله في الكون، والعلم بخواص المادة، وطرق الاستفادة منها في خدمة العقيدة ونشر حقائق الإسلام، وتحقيق الخير والفلاح للناس، كل ذلك يعدّ عبادة يتقرب بها العلماء والباحثون إلى الله، وطاعة يثاب عليها الناظرون في الكون والمكتشفون للقوانين التي تربط بين أجزائه، والمستنبطون لوسائل تسخيرها لخير الناس ومنفعتهم.