طباعة

الصواريخ الفلسطينية قوة الضعف وضعف القوة

Posted in المجتمع


ولنحاول الآن أن نرى مدى فاعلية وجدوى تلك الصواريخ بعد مضى أكثر من 8 سنوات على إطلاق أول صاروخ فلسطيني في اتجاه اسرائيل، فقد ورد في تقرير إسرائيلي ان «الصواريخ الفلسطينية، رغم انها بدائية وغالبيتها الساحقة لا تلحق أي اذى باسرائيل، الا انها تعتبر خطيرة جدا، وأثرت على حياة 190 ألف  اسرائيلي، وهجرت 3000 شخص من بلدة سيدروت خصوصا، لكن التقرير يشير ايضا الى ان الأضرار التي لحقت بالفلسطينيين حتى الآن أكبر بكثير مما ألحقته بالإسرائيليين، إن كان ذلك من ناحية عدد القتلى والجرحى أو من ناحية الأضرار السياسية والعسكرية والمادية» (جريدة الشرق الأوسط 14 ديسمبر 2007).

 

وفي أعراف المقاومة – أي مقاومة - على مدى التاريخ فإن خسائرها المادية غالبا ما تكون أكبر من خسائر المحتل الغاصب , ولكن استمرارها في تهديد أمن واستقرار ذلك المحتل هو الهدف المطلوب ولولاه ما ترك أي محتل بلدا قام باحتلاله , وهذه هي النقطة المحورية في سيكولوجية مقاومة أي محتل , أن تقلق راحته وتهدد أمنه وتمنع استقراره وتوصله رسالة متكررة ودائمة بأن استمراره في الإحتلال له ثمن باهظ لن يقدر عليه , عندئذ فقط يبدأ في التفكير جديا في المفاوضات لإنهاء الإحتلال . ولو نظرنا إلى آثار الصواريخ الفلسطينية من هذا المنظور نجد أنها تحقق ذلك الهدف على الرغم من بدائيتها وضعف أثرها التدميري , بل ربما يكون ضعفها مطلوبا (مثل الحجارة التي كان يلقيها الأطفال إبان الإنتفاضة) , فالهدف هنا ليس قتل أعداد كبيرة أو تدمير البنية التحتية لإسرائيل (فذلك قد يستفز عدوانا هائلا لا تقدر عليه المقاومة) , ولكن الهدف هو إحداث حالة مستمرة من انعدام الأمان لدى المواطن الإسرائيلي بحبث يجعله هذا الوضع يراجع مسألة الإستيطان ويعرف أن حياته وحياة أبنائه غير آمنة في وجود الإحتلال , وتظل القضية نشطة وساخنة فلا يتحول الموضوع إلى أمر واقع على الأرض يترسخ مع الزمن .

وقد تستخدم الصواريخ الفلسطينية لإحداث نوع من الإرتباط الشرطي فمثلا حين تقتل إسرائيل أحمد ياسين أو عبدالعزيز الرنتيسي ترد المقاومة بالصواريخ بعدها مباشرة فيحدث نوع من توازن الألم لدى الطرفين وتحسب إسرائيل ألف حساب قبل إقدامها على إيذاء الفلسطينييين حيث تتوقع إيذاءا مقابلا حتى ولو كامن هذا الإيذاء معنويا في صورة خوف يجتاح ساكني المستوطنات . وهذا الإرتباط الشرطي بين عدوان إسرائيل وإيذائها بالصواريخ هو فكرة قام حزب الله بتنفيذها , وكان يسميها "سد الذرائع" , بمعنى أن إسرائيل تعرف أن عدوانها سيكون مدفوع الثمن لذلك تفكر ألف مرة قبل أن تمارسه , وقد أدى هذا إلى انسحابها دون شروط من جنوب لبنان نظرا لما لاقته من ردع صاروخي بالكاتيوشا اللبنانية .

وفي أحيان أخرى يكون للصواريخ فائدة في رفع الروح المعنوية لدى الفلسطينيين من خلال شعورهم بامتلاك سلاح يمكن إطلاقه في أي لحظة ولا يحتاج لإعدادات طويلة أو معقدة كما كان الحال في العمليات الإستشهادية .

وثمة علاقة بين الصواريخ والعمليات الإستشهادية في أن كلا منهما تهدف إلى إحداث حالة من القلق والخوف لدى الطرف الآخر على الرغم من قلة الخسائر المادية , فالأثر المطلوب هنا أثرا نفسيا في المقام الأول , إذ لا يعقل أن الفلسطينيين سيواجهون الآلة العسكرية الإسرائيلية بهذه الصواريخ البسيطة , ولكنهم يواجهون النفسية الإسرائيلية التي بطبيعتها تعيش الهاجس الأمني في كل لحظة بل إن الشعور بانعدام الأمان شئ أساس في الشخصية الإسرائيلية بسبب ظروف تاريخية عميقة الجذور جعلت اليهود يعيشون تاريخهم مصحوبا بحالة من عدم الأمان , وكانوا يحاولون التجمع في حارات أو تجمعات يهودية بحثا عن الأمان المفقود في المجتمعات التي كانوا فيها .

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed