طباعة

في بيان كيفية افتراق الأمة

Posted in الثقافة


ب‌- الخلاف حول الأصول والأحكام:
يجب أن نتوقف عند ظاهرة الردة ومانعي وجوب الزكاة ومدعي النبوة مثل طليحة ومسيلمة وسجاح والأسود بن زيد وأن نمعن النظر فيها ونبتعد عن قراءتها قراءة عقائدية ونتوقف عن النظر إليها على أنها مجرد خروج عن الصراط المستقيم بل ندرسها دراسة سوسيولوجية ونتفهم مغازيها ودلالاتها في تلك الحقبة التاريخية فهي قبل كل شيء صراع من أجل الاستحواذ على سلطة المقدس بين الفاعلين الاجتماعيين آنذاك وتعبير عن لاتحدد المقدس الجديد والتباسه وغموضه وهي دعوة إلى توضيحه وفصل الخطاب حوله حتى يتم فهم الدين الجديد وهضمه واستيعابه ومن ثم الإيمان به والعمل على تطبيقه ونشره.
لقد اشتغل المسلمون بقتال الفرس والروم وهم في أثناء ذلك كله على كلمة واحدة في أبواب العدل والتوحيد وفي سائر أصول ولم يختلفوا إلا في الفروع من نوع الكلالة وميراث الجد والعول والرد وهو الفائدة أو الخسارة في المقدار ومسائل تعصيب الأخوات وجر الولاء والحرام ورغم ترددهم وتناقضهم في هذه المسائل إلا أن اختلافهم لم يورث فيه تضليلا ولا تفسيقا. بيد أنه في زمن المتأخرين من الصحابة بدأ الخلاف بين المسلمين يتخذ طابعا جديدا ويصعد من التجربة التاريخية والواقع المعاش إلى المستوى النظري والبعد التأملي ليصبح اختلافا حول العقائد ويمس الجدال جوهر الدين وينشغل الناس بقضايا القدرية والجبرية والأصول الخمسة والكسب ومحنة خلق القرآن والحدود الفاصلة بين الكفر والإيمان وانتقل السجال إلى ساحة تفسير الآيات وحدود تأويلها.
في هذا السياق السياسي المتوتر المشحون بالقلاقل حدث صراع كلامي فلسفي حول القضاء والقدر والاستطاعة والكسب والتسيير والتخيير وحول حكم مرتكب الكبيرة وظهر من قال بالمنزلة بين المنزلتين بخصوص الفاسق الذي هو بين الكفر والإيمان وأنكر البعض نسبة الخير والشر إلى القدر وحملوه إلى عمل الإنسان وظهرت مفاهيم التبري والتولي واستعان بعض العلماء بمناهج الفلاسفة والمناطقة وخاضوا في الذات والصفات واختلفوا في العلاقة بينهما هل الصفات هي عين الذات أن زائدة عنها؟ وان كانت زائدة هل هي أفعال أم أحوال؟فهل الله هو الذي يحدد الآجال والأرزاق أم أن الأمر متروك للحرية الإنسانية وسنن الكون؟ وكيف يكون الباري تعالى عالم بعلم وعلمه ذاته وكذلك قادر بقدرة وقدرته ذاته؟ هل هو قادر على تعذيب الطفل؟ ألا يعتبر ظالماً إن فعل ذلك وهو القائل ما ربك بظلام للعبيد؟ وكيف يكون الله عالما بالأشياء قبل وقوعها؟. ثم ظهرت بعد ذلك نظريات التولد والطبائع والأحوال وشيئية المعدوم وإبطال المعجزات بالنسبة للقرآن بما في ذلك الفصاحة والبلاغة وقالوا بخلق القرآن وخبط القوم خبطا عشواء عندما قالوا بالتناسخ وأفرطوا في الاعتصام بالعقل وأنكروا النبوة وقالوا بالقدماء الخمسة ومالوا إلى السيمياء والتنجيم والدهرية والسفسطة .
FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed