طباعة هذه الصفحة
الإثنين, 21 كانون2/يناير 2013 21:03

رد الاعتبار إلى الصحة النفسية مسؤولية الجميع ودعوة الإعلام إلى محاربة المعتقدات الخاطئة

كتبه  أمينة خيري
قييم هذا الموضوع
(0 أصوات)

كلنا يتعرض للتوتر النفسي ، كالحال حين تكتشف آن شخصاً ما أوقف سيارته أمام سيارتك ومنعك من اللحاق بموعدك0 أوحين       تفاجأ بابنك وقد ذهب لمقابلة أصدقائه مرتدياً حذاءك الجديد أو حين تتهمك زوجتك بأنك لم تعد تحبها أو حين يخسر فريق كرة القدم الذي تشجعه . وليس من المقبول أن يتحول المرضى النفسيون أو المصابون باضطراب دماغي ، منبوذين أخلاقياً أو إعلامياً أو اجتماعياً .

القاهرة – أمينة خيري

الصحة حال من كمال الرفاهية الجنسية و العقلية و الاجتماعية , و ليست مجرد غياب المرض أو العجز , طبقاً لتعريف منظمة الصحة العالمية التي اختارت الصحة النفسية لتكون الفكرة الرئيسية ليومها هذا العام . و بادر المكتب الإقليمي لشرق المتوسط       لمنظمة الصحة العالمية مطلع       نيسان الجاري بتنظيم       جلسة تثقيفية جمعت عدداً من الصحافيين و خبراء الصحة النفسية و العقلية من دول الإقليم لتضييق الفجوة بين الجهتين و تقريب فكرة الصحة النفسية من أذهان العاملين في الإعلام كخطوة أولى نحو تصحيح المعتقدات الخاطئة لدى المجتمع ككل .

عملت الاجتماعات على تحقيق هدفين رئيسيين : رفع درجة الوعي عن قضايا الصحة النفسية بين المواطنين , بالتعاون مع الإعلام , و محاربة " وصمة العار"  التي تلصق بالمرضى النفسيين .

 كثرة الاعتقادات الخاطئة

طرحت مشكلة الاعتقادات الخاطئة بين سكان غالبية دول الإقليم بمن فيهم الصحافيون و الإعلاميون . و يعد وجود مريض عقلي في أسرة ما وصمة عار لجميع أفرادها , و يتعامل الأصدقاء و الأقارب معه و مع أسرته بريبة و خوف , بل تحاول الأسرة نفسها إخفاءه باعتباره مصدر إحراج لها . و تؤكد الكلمات المستخدمة في الإشارة إلى المريض النفسي المعتقدات الخاطئة : المجنون المعتوه ,المتخلف , بل و تحفل قواميس العامية بالكلمات المحقرة .... هرب عشرات الخطاب من امرأة على مقدار بالغ من الجمال و الثقافة و دماثة الخلق لسبب واحد هو ترددها على طبيب أمراض نفسية قبل سنوات , بعد أزمة نفسية       تعرضت لها و تحولت تلك الزيارات إلى  وصمة عار لها و اتهاماً ضمنياً بأنها مجنونة .... وأظهر استقراء أجري بين مستخدمي شبكة الإنترنت أن واحداً بين كل خمسة أشخاص يعاني ثلاث مشكلات صحية نفسية أو اكثر , و أن ثلاثة بين كل خمسة أشخاص يؤكدون أنهم واجهوا مشكلات خاصة بالصحة العقلية       مباشرة أو من خلال شخص يعرفونه .

 من هو المريض النفسي ؟   الإعلام بين الشفافية و الاتهام

يعرف المستشار الإقليمي للصحة العقلية و سوء استخدام المواد (المخدرات) الدكتور أحمد محيط المرض النفسي ، بأنه خلل في التفكير والقدرة على حل المشكلات و الإدراك و الذاكرة , و خلل في العلاقات , مثل القدرة على التصرف حيال العلاقات الإنسانية المتداخلة . و على الجانب الآخر ينظر الشخص المتمتع بصحة عقلية إلى نفسه و إلى الآخرين بتقدير , و يساعدهم في تنمية قدراتهم , مع احترام قيمهم الاجتماعية و الثقافية . وعلى رغم إشادة المدير الإقليمي الدكتور حسين جزائري بما يتميز به الإقليم من روابط أسرية قوية , ومؤسسات اجتماعية مترابطة , و قيم روحية و دينية تؤثر       إيجابياً في الصحة العقلية لسكانه , فإن المنطقة  لا تخلو من المشكلات . و أشار الدكتور جزائري       إلى نسبة كبيرة من السكان       تواجه مستقبلاً غير معلوم و غير مضمون ,و ترتبط موجات الهجرة الداخلية و التمدن       غير المخطط , ارتباطاً وثيقاً بالفقر و تفكك الروابط الأسرية . وتحدث عن خطر الحروب و النزاعات       الداخلية التي تزيد من حدة مشكلة اللاجئين البالغ عددهم الملايين في العالم , راهناً , في حين بدأت       تظهر مشكلات خاصة       بكبار السن , و النساء.

و يبدو الإعلام مقصراً في القيام بدوره في مجال الصحة العقلية , و ربما أسهم في ترسيخ المفاهيم الخاطئة السائدة عن الصحة النفسية . فقد كتبت جريدة أسبوعية مستقلة       قبل أيام في صفحة الحوادث : أربعة شبان       يغتصبون معتوهة. و في افتتاح مهرجان سينما الأطفال       في القاهرة وقع اختيار المنظمين على أغنية محزنة عنوانها " سامحيني يا أمي " لتغنيها مجموعة من الأطفال المعاقين       ذهنياً , كأنهم يطلبون المغفرة أمام الجميع على مرضهم ! و من منا لا يتذكر       " سي لطفي " في فيلم " إسماعيل ياسين في مستشفى المجانين " الذي أضحكنا جميعاً على المختلتين نفسياً .... و إلى سلق الأخبار المقتضبة عن الصحة النفسية و التركيز       على أسماء الأطباء على سبيل المجاملة, تتعمد الحوارات  أو الدراسات في هذا المجال       وضع عناوين       مقروءة تسهم في زيادة المبيعات  أو نسبة المشاهدة , مثل" نصف السكان مجانين " جميعنا مصاب بالاكتئاب".

و أدق ما يوصف به فهم الإعلام لمشكلات الصحة العقلية , شيوع التنميط فالمريض إما "مجنون "و إما " مشروع       مجرم عنيف " و إما " مخبول و مصدر للسخرية " . و يعدد الإعلاميون أسباب انزلاقهم في هوة المعتقدات الخاطئة و من ضمنها تدني نوعية المعلومات و كمها , و غياب ما يمكن بثه و فهمه....الخ.

تعليق : النيات الحسنة لا تكفي لتعديل الخلل ..

المقال السابق مفيد و إيجابي عموماً و لا سيما عنوانه ، و أمثلة النظرات الخاطئة عن المريض النفسي , و المعلومات عن مدى انتشار المشكلات       الصحية النفسية , و أن منطقة شرق المتوسط معرضة للقلق و التغيرات الاجتماعية على الرغم من مميزات الترابط       الأسري و القيم الروحية و الدينية       التي تؤثر إيجابياً في الصحة النفسية . إضافة للتأكيد على مسؤولية الإعلام و تقصيره بل و إسهامه في ترسيخ المفاهيم الخاطئة و أمثلة مؤثرة على ذلك .. و غير ذلك من نقاط إيجابية..

إما النقاط السلبية فهي تتلخص في ما يلي :

1- في المقدمة هناك ربط بين ( المرضى النفسيون أو المصابون باضطراب دماغي ) و يبدو أن المقصود هو التخلف العقلي و غيره من إصابات الدماغ الشديدة .. و هذا الربط غير موفق وهو يكرس نظرات شائعة سلبية أصبحت قديمة .. و غير متناسبة مع توسع نطاق       الطب النفسي و المشكلات التي يعالجها .. و المصابون بالتخلف العقلي يشكلون حوالي       3% من الناس بينما تصل الاضطرابات النفسية إلى 20% -30%  من الناس ..

و لا يعني ذلك تخلي الطب النفسي عن الاهتمام بمشكلات التخلف العقلي أو الحالات الشديدة النفسية       و العقلية بل يجب وضعها ضمن وزنها الصحيح و المتناسب مع حجمها .

2- التعريف المذكور للمريض النفسي تحت عنوان       من هو المريض النفسي .. غير مناسب و مبالغ فيه إلى حد التشويه و التنفير .. كما أنه غير صحيح .. و إذا سألنا عن أي مريض يتحدث التقرير ؟ و لدينا أكثر من 100 تشخيص للاضطرابات النفسية ؟ وهل تنطبق كل هذه الصفات       و هذا " الخلل " على أي منها ؟ و ربما كان ما نقلته الصحفية من قبيل سوء التفاهم .. و لكنه أنقص من الفائدة المرجوة .. و أضاف معلومات سلبية في أبسط وصف .

و أخيراً.. فالمقال مقبول عموماً .. و لكن النيات الحسنة لا تكفي لتعديل " الخلل " .. و لا يمكننا أن نقول أن كاتبة التقرير أرادت أن تكحلها فعمتها و لكنها اقتربت من ذلك..

 

المصدر : www.hayatnafs.com

إقرأ 12114 مرات

البنود ذات الصلة (بواسطة علامة)