طباعة

أطفالنا أين يذهبون؟

Posted in النشاطات

child-paintمعضلة تواجه الأسر التي تريد أن تبني في أطفالها نماذج حياتية وسلوكية مختلفة عن تلك التقليدية الموجودة والتي أصبحت من لازمات الحياة الاجتماعية لدينا في أن تذهب بهم إلى أماكن الطعام أو الألعاب كخيار أول وآخر.
حيرة دائمة نواجهها كلما هلّت بواكير العطلة الأسبوعية.. أمران لا ثالث لهما فقط، وهما بالطبع متزامنان.. ففي كل مركز تجاري هناك قسم للأطفال يُحاط بكافة أنواع الطعام وألوانه.. الوجوه نفسها، والألوان ذاتها، ولا يختلف فيها إلاَّ الموقع.

نستفيد من ذلك المعطى الحضاري بالطبع، ولكن تكريسه خيارًا وحيدًا للعائلات والأطفال خاصة يعتبر كارثة حضارية من كافة النواحي قد لا نملكها إلاَّ نحن. لأنني مع الأسف لم أجدها منتشرة عند غيرنا من المجتمعات بهذه الحدة، حتى أصبح هذا الثلاثي المتكرر نموذجًا حياتيًّا نعيش في فلكه (مطعم - ملعب - منزل).
قد نرفضه ونثور عليه كأهل ومربين، ولكننا في النهاية ننصاع له تحت ضغط الأطفال حيث تنعدم البدائل لديهم. ونذهب بهم مرغمين إلى مطاردة أحدث المطاعم والألعاب في أحدث المراكز، حيث يعلو صوت الفوضى والضوضاء على كل شيء ويمحق أي نموذج سلوكي تحاول أن تقدمه لأطفالك في التعامل الاجتماعي الصحي المتمثل في تقبل الآخرين والتفاعل معهم.
إن هذا المعطى الحضاري اليتيم رغم لمعانه ظاهريًّا إلاَّ أنه على المدى الطويل مدمر من كافة النواحي الصحية والاجتماعية والنفسية لأطفال لاستمراريته وتكراره وتكريسه كنشاط وحيد لأطفال المجتمع. حيث يشحنهم بقيم سلوكة محددة تعطي من قيمة الاستهلاك وتنمذجه في أخلاقياتهم وسلوكهم، فيتحول مع الوقت والتكرار إلى شره سلوكي من الصعب كبحه.
بل ويمتد إلى كافة نواحي الحياة السلوكية، ولكل أطوار العمر لأن الطفولة مصنع الأخلاق وزمن تأسيسها الحقيقي، فكيف ينشأ سلوك سليم إذا تحول الطفل إلى أداة استهلاك مادي بلا تمييز، وكل ذلك على حساب النواحي الفكرية والمعرفية لدى الأطفال.إن الطفل لا يحتاج إلى غذاء ولهو وقتي فقط، بل إلى إشباع لمداركه الفكرية، واستثارة لعقله، وشحن لحواسه ومواهبه، وكل ذلك لا يتحقق إن انحصرت خياراته في ركن واحد. ولا يخفى على أحد الربحية العالية لهذه المشاريع الأمر الذي قد يقزم من اندفاع رؤوس الأموال إلى المشاريع المعنية بالثقافة والمواهب. ولا يخلو الأمر من مشروع أو اثنين يعانيان من التعثر والكبوات التجارية، ولا ينقذهما إلاَّ اندفاع قوي من ملاكهما نحو تنمية المعرفة لدى الطفل، وأقصد بذلك نادي الأطفال الفني وآخر أقامته شابة يافعة تطرح نماذج معرفية مختلفة من قراءات وكتب وطروحات مخصصة جميعها للأطفال. لقد أصبحنا نقر واقعًا مؤداه أن المراكز التجارية صارت مقرًا لغالبية الأنشطة الاجتماعية، نظرًا لطبيعة الطقس والتجهيزات ويشاركنا كثير من الدول المتشابهة في هذا الواقع الذي يمكن أن نستفيد منه كثيرًا. حيث يمكن بمقابل التسهيلات التي تمنح لهذه المراكز من المؤسسات الحكومية كالبلدية وغيرها أن نطالبها بتخصيص مساحات مجانية للأنشطة الثقافية للأطفال، خاصة على أن تكون بصفة دائمة، وتحت إشراف هيئة اعتبارية كجمعية الثقافة والفنون أو غيرها، كما يمكن أن تستعين بها كافة الجهات العامة التي تملك أنشطة مماثلة كالتعليم والجمعيات وغيرها. وحيث إن ربحية المشاريع الثقافية محدودة مقارنة بالأخرى؛ لذا يجب تشجيع ودعم القطاع الخاص من كافة النواحي على إنشاء المكتبات والمراسم والأندية الثقافية والملاعب الرياضية.
FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed