طباعة

التين (Ficus carcia): فاكهة الصيف المتميزة

Posted in المغذيات

مقدمة:

كاتب المقال: الدكتور معز الإسلام فارس
إذا ذُكرت فاكهة الصيف، كان التين على رأس تلك الفاكهة. إنها الثمرة اللذيذة الطعم الطيبة المذاق، ذات الألوان المتعددة والطعوم المختلفة. فما هي هذه النبتة وما دورها في تغذية الإنسان وصحته؟ التين المأكول شائع الصيت هو ذلك النبات الذي ينتشر في المناطق الحارة والمعتدلة ومنها منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط ومنها بلاد الشام،

 

وبعض مناطق شبه الجزيرة العربية، وموطنه الأصلي يعود إلى جنوب جزيرة العرب. وهذا النبات اسمه العلميFicus carcia ، وهو يتبع الفصيلة التوتية Moraceae ويعود إلى الجنس Ficus الذي ينتمي إليه قرابة ألف نوع من أنواع التين، منها ما هو مأكول، مثل التين الشائع وتين الجميز Ficus sycomorus L. المعروف في غزة وشبه جزيرة سيناء، والكثير منها ليس مأكولاً ويعرف بتين الزينة ويستعمل في تزيين الشوارع، أو تزيين المنازل مثل فيكس ديكورا. وتشير الدراسات الأثرية في علم النبات أن التين من أقدم ما عرف الإنسانُ في حياته، وأنه يرجع تاريخ زراعته إلى مايربو على 11 ألف سنة من تاريخ البشرية، حتى أن تاريخها يسبق تاريخ الحبوب التي كانت أقدم وأهم ما أكل الإنسان وزرع. وتقدر إحصاءات منظمة الأغذية والزراعة الدولية الإنتاجَ العالمي من التين بحوالي مليون طن في السنة الواحدة، يتركز في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط.

وقد حظي التين بشرف الذكر في القرآن الكريم مرة واحدة في موضع واحد من كتاب الله تعالى، وهو قوله –جل من قائل-:﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ﴾ ﴿التين: ١﴾، ومع قلة ذكر التين في القرآن الكريم بالمقارنة مع غيره من الأطعمة كالعنب والزيتون وتمر النخيل وغيرها، إلا أن القرآن الكريم قد خصه بشرف تسمية سورة كاملة باسمه وهي سورة التين، وهو ما لم يتحقق لغيره من أنواع الثمار والأطعمة. ومما يدلل على أهميته وعظم مكانته، أنه –جل وعلا- قد جعل التين موضعاً لقسمه، إذ أقسم به -جل وعلا- كما أقسم بالزيتون، وذلك في قوله: ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ﴾، وهو ما يوحي بعلم الخالق -جل جلاله- بعظيم شأن هذه الثمرة.  وبغض النظر عن تفسير هذه الآية وأياً كان المقصود بها، المكان أم الثمر، فإن الحقيقة التي لا مفر منها أن ذكر التين له دلالاته في تخصيص تلك الثمرة عن غيرها من أنواع الثمار الكثيرة المعروفة لدى الناس، وهو ما يشي بفضل أهمية وعظيم قدر. ولا يقتصر ذكر التين على القرآن الكريم، فقد ذكر في الإنجيل كذلك، وهو ما يؤكد قيمته المادية والمعنوية الدينية في تاريخ البشرية الممتد. أما السنة النبوية، فلم تحفل بذكر التين في نصوصها، ولا صحة لما نسب عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- في فضل التين، بل عد علماء الحديث القولَ "كلوا التين، فلو قلت أن فاكهة نزلت من الجنة بلا عجم لقلت هي التين، وإنه يذهب بالبواسير وينفع من النقرس" حديثاً موضوعاً، وضعَّفَه بعضهم كالألباني –رحمه الله-.

وثمر التين ثمرة غير حقيقية False fruit، ذلك أنها تتكون بصفة رئيسة من الشمراخ الزهري المتشحم، الذي يحمل أزهاراً وحيدة الجنس، المؤنثة منها تكوِّن ثميرات بندقية غاية في الصغر، يصل عددها 1600 في الثمرة الواحدة، ويحسها الإنسان عند أكله للشمراخ الزهري المتشحم. وتؤكل ثمار التين على شكلين رئيسين: الشكل الطازج الرطب الشائع في موسم الصيف،


حيث تكون الثمار يانعة طازجة طرية القوام طيبة الطعم، أو مجففاً في غير موسمه، وهو ما يعرف بالقطين أو التين المجفف، ولكل من النوعين قيمته الغذائية وفوائده الصحية ومميزاته في التركيب. ويغلف ثمرة التين طبقة رطبة رقيقة تمتاز باختلاف لونها وتباينه بين الأسود والبني والأخضر والأحمر والأصفر الشاحب والبنفسجي الفاتح والغامق، وذلك تبعاً لاختلاف صنف التين.

القيمة الغذائية والتركيب الكيماوي للتين

بالنظر إلى التركيب الكيماوي للتين، يتبين لنا تميزه باحتوائه كمياتٍ معتبرة من عدد من العناصر الغذائية الأساسية، الكبرى منها والصغرى. وبالنظر إلى جداول التحليل الغذائي، يظهر احتواء التين على قرابة 79% من وزنه ماء، ما يعطيه قدرة على ترطيب الجسم وتزويده بالماء لتعويضه ما فقد منه خلال حر الصيف،  وكذا احتواءه كميات معتبرة من السكريات (قرابة 16% من وزنه)، التي لسكر الفركتوز الحظ الأوفر منها (56%)، يليه سكر الجلوكوز (43%)؛ فهو بذا يعد مصدراً سريعاً للطاقة، فيما تصل نسبة الألياف الغذائية في التين إلى 3%، وهو ما يجعل منهم غذاءً مانعاً للإمساك، واقياً من مضاعفاته ومخاطره. وفي المقابل، يحوي التين كميات قليلة من البرويتن (أقل من 1%) وأقل منه الدهون (0.3%)؛ ما يجعل منه غذاء نافعاً ومميزاً لمن يعاني من ارتفاع الدهون وأمراض القلب والشرايين. ولعل أكثر ما يميز التين هو ارتفاع محتواه من العناصر الغذائية الصغرى وهي المعادن والفيتامينات، حيث يعد مصدراً مميزاً لعدد منها وأهمها البوتاسيوم  (232 ملغم/100 غم) المعروف بقدرته على المساعدة في تخفيف ارتفاع ضغط الدم وتحسين عمل القلب، والمنغنيز (0.13 ملغم) الضروري لعمل طيف واسع من إنزيمات الجسم ويؤدي نقصه إلى حدوث اضطرابات في عمل  الدماغ وفي ضبط سكر الدم والتكاثر وفي تكون الأنسجة الضامة والعظام، إذ تزود المائة غرام من التين (ثلاث حبات متوسطة الحجم) قرابة 6% من احتياجات الجسم اليومية من هذين العنصرين المعدنيين. وفي المقابل، تزود تلك الكمية الجسمَ بقرابة 4% من الاحتياجات اليومية لعناصر الكالسيوم (35ملغم)  والنحاس (0.007ملغم) والمغنيسيوم (17ملغم)، والقليل من الحديد (0.47 ملغم) حيث تسد الكمية المذكورة حوالي  2% من الاحتياجات اليومية للعنصر الأخير. وفي المقابل، تزود الحبات الثلاث الجسم (100 غم) بعدد من الفيتامينات، حيث تلبي هذه الكمية حوالي 6% من الاحتياجات اليومية لفيتاميني ك (4.7 ملغم) و ب6 (بيرودوكسين) (0.11 ملغم)، في حين تلبي هذه الكمية قرابة 3% من الاحتياجات اليومية للفيتامينات: مكافيء فيتامين أ (142 وحدة دولية) وفيتامين ب2  (الريبوفلافين) (0.05 ملغم) وفيتامين ج (2.0 ملغم) وحمض البانتوثينيك (0.3 ملغم)، وتلبي قرابة 2% من الاحتياجات اليومية لفيتاميني ب3 (نياسين) (0.4 ملغم) والفولات (6.0 ملغم).

الكيماويات النباتية الطبيعية في التين

لعل أبرز ما يميز ثمار التين، وهو ما دفع العلماء والباحثين إلى دراستها وسبر أغوارها، هو اكتشاف وجود كميات كبيرة من عدد من المركبات الكيماوية الطبيعية النافعة، والتي تعرف بالمركبات النباتية الحيوية Bioactive Phytochemicals. وتعرف هذه المركبات بأنها مركبات طبيعية ذات تأثيرات فسيولوجية وطبية نافعة، ولها تعزى العديد


من الاستخدامات الطبية والتأثيرات العلاجية والوقائية لثمار التين. ومن بين أهم تلك المركبات:

البوليفينولات Polyphenols والأنثوسيانينات Anthocyanins: في ثمار التين، يصل محتوى هذه الثمار من تلكم المركبات الحيوية الأولى حوالي 1100 ملغم/100 من الوزن الرطب، وهي كمية تعد من بين الكميات الأعلى الموجودة في الأغذية النباتية المختلفة. وتشير إحدى الدراسات العلمية إلى احتواء أصناف التين غامقة اللون كميات أكبر بكثير من مركبات الفلافونويدات التابعة لعائلة البوليفينولات بالمقارنة مع مثيلاتها فاتحة اللون، وأن القدرة المانعة للتاكسد في الأصناف الغامقة هي ضعفي القدرة لمثيلاتها فاتحة اللون (الأصفر والأخضر)، وهو ما يضفي على تلك الأصناف الغامقة اللون ميزة صحية إضافية في الحد من التأكسد الخلوي الضار بالمقارنة مع مثيلاتها فاتحة اللون. كما تشير الدراسات التحليلية إلى وجود عدد من مركبات الفلافونويدات في التين من أهمها: الأنثوسيانينات (شكل رقم 1)، ومركب الروتين Rutin (شكل رقم 2) المعروف بتوفره في التفاح، والكاتيكين Catechin والإيبيكاتيكين Epicatechin المعروف بوجودها في الشاي الأخضر والاسود، إضافة إلى وجود عدد من الأحماض الفينولية مثل حمض الجاليك Gallic acid والكلوروجينيك Chlorogenic acid والسيرينجيك Syringic acid.

ويمتاز التين بوجود طيف واسع من عدد من المركبات الطبيعية يشمل البيتا-كاروتين المولد لفيتامين (أ) وذي التأثيرات المانعة للتأكسد والواقية من السرطان، وكذا وجود مركب البيتا-سيتوستيرول التابع لمجموعة الستيرولات النباتية والمعروفة بقدرتها على خفض كولسترول الدم، وكذا بوجود عددٍ من المركبات النباتية المختلفة مثل الجلاكوسيدات Glycosides، والسكر الأحادي الأرابينوز Arabinose، والزانثوتوكسول Xanthotoxol.

التأثيرات الصحية والاستخدامات الاستطبابية للتين

عرف استخدام التين في الطب الشعبي منذ قديم الزمان، حتى كان جزءً هاماً في نظام الطب الصيني التقليدي، ولدى الهنود في نظام الايورفيدا Ayurveda القديم المعروف، وكذا الحال بالنسبة للأطباء الإغريق أمثال ديسقوريدوس وجالينوس. ولم يقتصر الاستخدام الطبي للتين على الثمر فقط، بل تعداه الى استخدام الأوراق والجذور، وتوزعت الاستخدامات الطبية الشعبية للتين وأجزائه على عدد من الأمراض مثل: الإمساك والبهاق والصداف والإكزيمة، كما استخدمت المادة البيضاء اللبنية التي تخرج من التين والمعروقة باللاتكس Latexفي معالجة الثآليل الجلدية وأنواع من السرطان.

وفي العلم الحديث، أظهرت نتائج الدراسات العلمية السريرية والمخبرية قدرة ثمار التين على تحقيق عدد من الفوائد الصحية، مثل تخفيض سكر وكولسترول الدم، والتأثير المضاد للتشنج العضلي، ومنع نزف الدم والتأثير المانع للتاكسد والتأثير المضاد للالتهاب والتأثير المضاد لفيروس الهربس البسيط Anti-HSV والتأثير المضاد لصفيحات الدم والمانع للتجلط.

ومن أبرز التأثيرات الصحية التي حظيت مؤخراً بنصيب وافر من البحث والتمحيص هو ما يتعلق بدور التين في الوقاية من السرطان والحد من الالتهاب. فالقدرة المانعة للتأكسد المتأتية من وجود كم وافر من المركبات النباتية الطبيعية المضادة للتأكسد مثل البوليفينولات والأنثوسيانينات وغيرها، تسهم في إكساب التين قدرة كابحة للجذور الحرة تسهم بدورها في الحد من انتشار تلك الجذور وتثبيط  قدرتها على مهاجمة الخلايا ومكوناتها الحيوية،


وفي المحصلة إعطاء الجسم القدرة على الحد من حالة الكرب أو الجهد التأكسدي التي يعزى إليها التسبب في الإصابة ببعض أمراض القلب والشرايين وكذا أمراض السرطان. كما أثبتت الدراسات قدرة مكونات التين على إحداث تأثير سمي للخلايا السرطانية خارج الجسم In Vitro Cytotoxicity، وهو ما يؤكد قدرة التين على منع نمو الخلايا السرطانية ووأدها في مهدها. وقد استخدم عدد من الباحثين التين الطازج في علاج عدد من أنواع السرطان مثل سرطان الفم، كما استعمل اللاتكس في معالجة الثآليل الجلدية، والتي تعد ضرباً من ضروب النموات السرطانية غير الخبيئثة Non-malignant neoplasms. ولا يقتصر التأثير المانع للتأكسد للتين على الحد من تطور تلك الأمراض، بل يتعداه إلى التأثير المانع للالتهاب، والذي يسهم في المدى البعيد في التقليل من خطر الإصابة بالسرطان، باعتبار السرطان حالة متقدمة من الالتهاب في موضع الإصابة. وقد أكدت التأثير المضاد للالتهاب للتين نتائج العديد من الدراسات العلمية والممارسات التجريبية التي أثبتت قدرة التين وأجزائه، وخاصة الأوراق واللاتكس، على معالجة التقرحات  Ulcers في عدد كبير من أجزاء الجسم مثل الجلد والعين والمعدة والرأس. كما يعني وجود التأثير المضاد للالتهاب قدرة التين على الوقاية والحد من عدد من الأمراض الالتهابية مثل التهاب القولون التقرحي المزمن و مرض كرون وغيرها من الأمراض الالتهابية، وهو ما يحتاج إلى مزيد بحث واختبار.

ومع تطور البحث العلمي، تطورت استخدامات التين في الصناعات الدوائية، ولكن ليس فقط في مجال معالجة الأمراض الفسيولوجية المزمنة المعروفة والأمراض الجلدية كالبهاق والصدفية، بل أصبح التين مكوناً رئيساً في عدد من مستحضرات التجميل ومركبات العناية بالبشرة، نظراً لما له من تأثيرات نافعة وناجعة على هذا العضو الحساس من الجسم تشمل تبييض الجلد وتليينه وتقشيره وإزالة النمش عنه، حتى بات التين مكوناً لا يمكن تجاوزه عند الحديث عن التغذية في علم المستحضرات التجميلية أو ما يعرف بــ Nutricosmetics.

وختاماً، فإن الفوائد الصحية للتين المذكورة آنفاً تدفعنا إلى إيلاء هذه الثمرة المباركة مزيد اهتمام بالبحث والدراسة والاختبار، وإلى التعمق في دراسة مكوناتها وسبر أغوارها، ومحاولة تطوير أدوية وعلاجات منها تسهم في الحد من الكثير من الأمراض والشفاء منها. وصدق الله العظيم الذي أقسم بهذه الثمرة المباركة، فالعظيم لا يقسم الا بما عظُم من خلقه، وما لايعلم سره وكنهه إلا هو الخالق سبحانه.

المراجع:

- القرآن الكريم.

- معجم النبات، قاموس القرآن الكريم، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، ط2، 1997،الكويت.


 

  1. Caliskan O and Polat AA (2011) Phytochemical and antioxidant properties of selected fig (Ficus carica L.) accessions from the eastern Mediterranean region of Turkey. Scientia Horticulturae ,128,473–478.
  2. Gilani AH, Mehmood MH, Janbaz KH, Khan A and Saeed SA (2008) Ethnopharmacological studies on antispasmodic and antiplatelet activities of Ficus carica. Journal of Ethnopharmacology 119,1–5.
  3. Duenas M, Perez-Alonso JJ, Santos-Buelg V, Escribano-Bailon T (2008) Anthocyanin composition in fig (Ficus carica L.). Journal of Food Composition and Analysis, 21,107–115.
  4. Guarrera PM (2005) Traditional phytotherapy in Central Italy (Marche, Abruzzo, and Latium). Fitoterapia, 76,1 – 25.
  5. Lansky EP, Paavilainen HM, Pawlus AD, Newmana RA (2008) Ficus spp. (fig): Ethnobotany and potential as anticancer and anti-inflammatory agents. Journal of Ethnopharmacology, 119, 195–213.
  6. Oliveira AP, Valentao P, Pereira JA, Silva BM, Tavares F, Andrade PB (2009) Ficus carica L.: Metabolic and biological screening. Food and Chemical Toxicology, 47,2841–2846.
  7. Veberic R, Colaric M, Stampar F (2008) Phenolic acids and flavonoids of fig fruit (Ficus carica L.) in the northern Mediterranean region. Food Chemistry, 106,153–157.