طباعة

شــورى مهببـة

Posted in المجتمع

لقد يئس الناس من التغيير السلمي فاقتنعوا بأن آخر العلاج الكي .. لا ليس الكي ولكن الحرق .. وكأن كل حريق يقربهم من الخلاص .

إن صورة السلطة في الوعي العام – كما تتضح من التعليقات والمواقف السابقة- تدعو إلى الفزع حيث لا ولاء ولا انتماء لهذه السلطة بل عداء يتخفي تحت قناع من الخوف والمداهنة ويظهر في وقت المحن لوم وشماتة وتشفي , مع أن المتوقع في مثل هذه الأوقات نسيان الخلافات وتجاوز الإساءات وتكاتف الأيدي والقلوب . إنه ليس خطأ النظام فقط بل خطأ الناس أيضا الذين يلجأون لهذا النوع الخبيث من العدوان السلبي حيث يتركون حقوقهم تضيع أمام أعينهم ثم يلجأون إلى اللامبالاه والسلبية والتشفي وإلقاء السبب على الحكومة وسبها أو الدعاء عليها في السر ( لاحظ تكرار : حسبي الله ونعم الوكيل في أكثر من تعليق , وهي في الوعي المصري والدين تعني تسليم الخصم العنيد لقدرة الله وجبروته وبطشه) , وتسير الأمور كما هي بلا أي نهاية تبدو في الأفق , وكأنها حالة من التواطؤ السلبي العام . إنها حقا أخلاق العبيد الذين لا يملكون شيئا تجاه أسيادهم وينتظرون المصائب تحل بهم فيفرحون ويبتهجون , والسادة يزدادون تحكما وتسلطا على هؤلاء العبيد الأوغاد , ولا يجدون سببا مقنعا لاحترامهم , فهم في أعينهم قطيع لا يستشار ولا يوضع في الإعتبار .

إن مجلس الشورى ليس مجرد مبنى وإنما هو رمز للحكم والتدبير والتخطيط , وهو مطبخ للقوانين والقواعد والأفكار التي تحكم حياتنا , وهو الضلع الثالث في مثلث السلطة –كما ذكرنا – وبهذا تعتبر مشاعر الناس تجاه احتراقه كاشفة وفاضحة لمشاعرهم تجاه السلطة بكافة أركانها .

والناس لا ترى في المجالس النيابية فائدة , فأعضاؤها يصلون إليها بطرق يعلمها الجميع , وأغلبهم يسعون لتحقيق مصالح خاصة , ولا يشكل أي مجلس رقابة حقيقية على الحكومة , ولم يعرف في تاريخ المجالس النيابية الحديثة في مصر (وربما القديمة أيضا ) أنها سحبت الثقة من الحكومة أو أقالت مسئولا كبيرا أو صغيرا , وإنما هي بمثابة أذرع للحكومة , وهيئات تعطي ستارا من الشرعية لكل ما تريد الحكومة فعله . ولذلك فالناس لا ترى فيها فائدة تعود عليها بل على العكس قد ترى ضررا أو أضرارا , فهي تذكرهم بتزوير انتخاباتهم وتزييف إرادتهم , وتذكرهم بالموافقة على قرارات ضد مصالحهم وضد جودة حياتهم مثل قرارات غلاء الأسعار وتمديد قانون الطوارئ , وقانون المرور الجديد , والقوانين التي تخدم مصالح رجال الأعمال وتأتي على حساب مصالح الشعب .

ربما كل هذا يفسر تلك المشاعر المتناقضة والسلبية في أغلبها تجاه هذا الحريق . إذن لا تسل عن الإنتماء أو الولاء أو الملحمة الشعبية أو التضافر بين الشعب والحكومة أو بين السلطة والأمة , حتى في وقت الأزمات , فثمة شروخ عميقة ظهرت تحت ضوء هذا الحريق بشكل يثير الفزع ويدعو إلى المراجعة التي نعرف جميعا بحكم الخبرة أن لا أحد يهتم بها من الشعب أو من الحكومة , والجميع في النهاية يدفع الثمن, إما بحرق أمواله وممتلكالته ومستقبله ومستقبل أبنائه , أو بحرق أعصابه . ويظل هباب المشاعر الذي أحاط بهذا الحدث أخطر بكثير من هباب الدخان الذي ملأ هذا المبنى والمباني المجاورة ... ذلك لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .

 

المصدر : www.elazayem.com

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed