طباعة

العدل في الإسلام شامل لبني الإنسان

Posted in الثقافة


بل إن النهج النبوي ذهب إلى أبعد من ذلك في قبول الحق من قائله، حتى ولو كان القائل هو الشيطان، كما في البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "وكلني رسول الله بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام فأخذته، فقلت لأرفعنّك إلى رسول الله فقص الحديث، فقال إذا أَوَيْتَ إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي؛ لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فقال النبي: صدقك وهو كذوب، ذاك شيطان» [البخاري] فالنبي في هذا الحديث بيّن لأبي هريرة رضي الله عنه أن ما ذكره الشيطان له في فضل آية الكرسي حقّ، على الرغم من كذب الشيطان وفجوره، ولم يمنع النبيّ أبا هريرة من قبول كلامه إذ إنه حق وصدق، والحديث بهذا يدل على قبول الحق من المخالفين.

وابن القيم رحمه الله يوضح أن هذا من الإنصاف والعدل مع المخالف أيًّا كان هذا المخالف، وفي هذا يقول رحمه الله: "والله تعالى يحب الإنصاف، بل هو أفضل حلية تحلى بها الرجل، خصوصًا من نصب نفسه حكمًا بين الأقوال والمذاهب، وقد أمر الله تعالى رسوله أن يقول: {وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [الشورى: 15]، فورثة الرسول منصبهم العدل بين الطوائف، وألا يميل أحدهم مع قريبه وذوي مذهبه، وطائفته ومتبوعه، بل يكون الحق مطلوبه، يسير بسيره، وينزل بنزوله.

ويقول رحمه الله في موطن آخر، وهو يبين منهج أهل السنة في التعامل مع النصوص والمخالفين لهم والاختلاف المذموم كثيرًا ما يكون مع كل فرقة من أهله بعض الحق؛ فلا يقر له خصمه به، بل يجحده إياه؛ بغيًا ومنافسة فيحمله ذلك على تسليط التأويل الباطل على النصوص التي مع خصمه، وهذا شأن جميع المختلفين بخلاف أهل الحق؛ فإنهم يعلمون الحق من كل ما جاء به، فيأخذون حق جميع الطوائف ويردون باطلهم، فهؤلاء الذين قال الله تعالى فيهم: {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: 213]، فأخبر سبحانه أنه هدى عباده لما اختلف فيه المختلفون" [الصواعق المرسلة].

وأقوال أهل العلم في ذلك كثيرة، وكلها تبين بوضوح وجلاء عظمة الإسلام وسماحته في علاقته وتعامله مع الناس كافة، وقد تضمنت شريعة الإسلام كمًّا هائلاً وعظيمًا من التشريعات التي كان هدفها وغايتها رعاية الحق وإقامة العدل، ودفع الظلم والبغي والعدوان بين أتباع الديانات الأخرى ممن يعيشون في مجتمع المسلمين، وقد تعلم المسلمون من خلال توجيهات القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة أن يعاملوا غيرهم بيسر وسماحة وحسن معاشرة، والإسلام في ميدان الحياة العامة حريص على احترام شخصية المخالف له، ومن ثَم لم يكرهه على الدخول في دين نبي الإسلام.

ولذلك لم يقم الإسلام بمصادرة حقوق المخالفين له، أو تحويلهم بقوة جبرية وإكراه عن معتقداتهم، بل نهى عن التعرض لأموالهم وأعراضهم ودمائهم بغير حق، وقد فَقُهَ أئمة المسلمين هذه المعاني على مدار التاريخ كله، فلم يظلموا أحدًا من المخالفين، وسيرتُهم تؤكد ذلك، وهذه بعض أقوالهم في العدل والدعوة إليه.

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed