الإثنين, 19 آذار/مارس 2012 20:14

حقوق غير المسلمين في المجتمع

كتبه  مسعود صبري
قييم هذا الموضوع
(3 أصوات)
حق الحماية

فأول حقوق أهل الكتاب في الإسلام حمايتهم من كل عدوان خارجي، فإذا اعتدي عليهم وجب على المسلمين الدفاع عنهم، ويستدل القرضاوي في هذا بنصوص من الكتب الفقهية، وبموقف الإمام ابن تيمية – رحمه الله – حين كلم "قطلوشاه" التتري في إطلاق سراح الأسرى، فسمح له " قطلوشاه" بإطلاق أسرى المسلمين، غير أن الإمام ابن تيمية أصر على أن يطلق سراح المسيحيين معهم، وقد كان، وهذا الموقف من الإمام ابن تيمية يمثل النظرة الفقهية للحماية الخارجية.

وواجب أيضا على الدولة الإسلامية أن تحمي الأقلية من الظلم الداخلي، فلا يجوز العدوان عليهم بأي شكل من الأشكال، والآيات والأحاديث متضافرة في تحريم ظلم غير المسلمين من أهل الذمة كقوله - صلى الله عليه وسلم-: "من ظلم معاهدًا، أو انتقصه حقًا، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس منه؛ فأنا حجيجه يوم القيامة" رواه أبو داود والبيهقي. وعنه أيضًا: "من آذى ذميًا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله" (رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن).

وإن كانت هذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنها أيضا كانت سنة الخلفاء الراشدين، وقد نقل في هذا عن عمر وعلي أقوال وحوادث، وهذا ما صرح به أيضا كثير من فقهاء المسلمين.
ومن أنواع هذه الحماية
حماية الدماء والأبدان

وينقل القرضاوي اتفاق العلماء على أن دماء أهل الذمة محفوظة، والاعتداء عليها كبيرة من الكبائر؛ لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "من قتل معاهدًا لم يُرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا" (رواه أحمد والبخاري في الجزية وغيرهما).

وإن كان الفقهاء قد اختلفوا في قتل المسلم بالذمي، إلا أن القرضاوي يرجح رأي من قال بأن المسلم يقتل إن قتل ذميا بغير حق، استنادا لعموم النصوص الموجبة للقصاص من الكتاب والسنة، ولاستوائها في عصمة الدم المؤبدة.


وهذا هو المذهب الذي اعتمدته الخلافة العثمانية، ونفذته في أقاليمها المختلفة منذ عدة قرون، إلى أن هُدِمت الخلافة في هذا القرن بسعي أعداء الإسلام.

حماية الأموال

وهذا مما اتفق عليه المسلمون في جميع المذاهب، وفي جميع الأقطار، ومختلف العصور.

ويبلغ من رعاية الإسلام لحرمة أموالهم وممتلكاتهم أنه يحترم ما يعدونه -حسب دينهم- مالا وإن لم يكن مالا في نظر المسلمين.

فالخمر والخنزير لا يجوز لمسلم أن يمتلكهما، ولو أتلفهما مسلم لمسلم آخر ما كان عليه شيء، ولكنه لو أتلفهما لذمي غرم قيمتها كما ذهب إلى ذلك الإمام أبو حنيفة.

حماية الأعراض

وعرض الذمي محفوظة في الإسلام كعرض المسلم، حتى قال الإمام القرافي المالكي: "فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء أو غيبة، فقد ضيَّع ذمة الله، وذمة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وذمة دين الإسلام" (الفروق ج ـ 3 ص 14 الفرق التاسع عشر والمائة)، والنصوص في ذلك متوافرة وكثيرة.

التأمين عند العجز والشيخوخة والفقر

بل يضمن الإسلام لغير المسلمين "كفالة المعيشة الملائمة لهم ولمن يعولونه؛ لأنهم رعية للدولة المسلمة وهي مسئولة عن كل رعاياها، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كلكم راع وكل راع مسئول عن رعيته (متفق عليه من حديث ابن عمر)".

وهذا ما مضت به سُنَّة الراشدين ومَن بعدهم، نقل هذا في كتاب خالد بن الوليد لأهل الحيرة بالعراق زمن أبي بكر الصديق بحضور عدد كبير من الصحابة؛ فكان إجماعا، ورأى عمر بن الخطاب شيخًا يهوديًا يسأل الناس لكبر سنه، فأخذه إلى بيت مال المسلمين، وفرض له ولأمثاله معاشا، وقال: "ما أنصفناه إذ أخذنا منه الجزية شابًا، ثم نخذله عند الهرم"! وأبو بكر وعمر بذلك صكا قانون الضمان الاجتماعي للمسلمين وغير المسلمين، وهو ما قالت به المذاهب الإسلامية.

حق التدين

ومن تلك الحقوق أن الإسلام لم يكره أهل الذمة على اعتناق الإسلام، فلكل ذي دين دينه ومذهبه، لا يُجبر على تركه إلى غيره، ولا يُضغط عليه ليتحول منه إلى الإسلام.

وأساس هذا الحق قوله تعالى: {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي}، (البقرة: 256)، وقوله سبحانه: {أفأنت تُكرِه الناس حتى يكونوا مؤمنين} (يونس: 99). والتاريخ يصدق المسلمين في هذا، والغربيون يعترفون بذلك.

وقد صان الإسلام لغير المسلمين معابدهم ورعى حرمة شعائرهم، وقد اشتمل عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أهل نجران أن لهم جوار الله وذمة رسوله على أموالهم وملَّتهم وبِيَعهم، ونص عمر في العهدة العمرية لأهل إيلياء أن لهم حرية التدين وفي عهد خالد بن الوليد لأهل عانات كما نقل ذلك أبو يوسف في كتابه "الخراج".

ومن حرية التدين ما قال به بعض فقهاء المسلمين من السماح لأهل الكتاب ببناء الكنائس في القرى التي يكون غالبها مسلمين. وقد جرى العمل على هذا في تاريخ المسلمين منذ عهد مبكر " فقد بُنِيت في مصر عدة كنائس في القرن الأول الهجري، مثل كنيسة مار مرقص بالإسكندرية (ما بين 39 - 56 هـ)، كما بُنِيت أول كنيسة بالفسطاط في حارة الروم في ولاية مسلمة بن مخلد على مصر بين (عامي 47 - 68 هـ)، كما سمح عبد العزيز بن مروان حين أنشأ مدينة حلوان ببناء كنيسة فيها، وسمح كذلك لبعض الأساقفة ببناء ديرين".

بل صرح المؤرخ المقريزي بقوله: "وجميع كنائس القاهرة المذكورة محدَثة في الإسلام بلا خلاف".

أما في القرى والمواضع التي ليست من أمصار المسلمين فلا يُمنعون من إظهار شعائرهم الدينية، وتجديد كنائسهم القديمة، وبناء ما تدعو حاجتهم إلى بنائه؛ نظرًا لتكاثر عددهم.

بل هذا التسامح لم يظهر إلا في الإسلام، حتى قال العلامة الفرنسي جوستاف لوبون: "رأينا من آي القرآن التي ذكرناها آنفًا أن مسامحة محمد لليهود والنصارى كانت عظيمة إلى الغاية، وأنه لم يقل بمثلها مؤسسو الأديان التي ظهرت قبله كاليهودية والنصرانية على وجه الخصوص، وسنرى كيف سار خلفاؤه على سنته"، كما نقل هذا عن ألسنة أوربيين، أمثال روبرتسن في كتابه "تاريخ شارلكن" وغيره.


حق العمل والكسب

كما كفل الإسلام لغير المسلمين حق العمل والكسب؛ فلهم كل الأنشطة التجارية من بيع وشراء وإجارة ووكالة وغيرها إلا الربا؛ لما رُوِي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كتب إلى مجوس هجر: "إما أن تذروا الربا أو تأذنوا بحرب من الله ورسوله"، يضاف إلى هذا بيع الخمور والخنزير في أمصار المسلمين، وما سوى هذا فلهم الحرية في التعامل.

قال آدم ميتز: "ولم يكن في التشريع الإسلامي ما يغلق دون أهل الذمة أي باب من أبواب الأعمال، وكانت قدمهم راسخة في الصنائع التي تدر الأرباح الوافرة؛ فكانوا صيارفة وتجارًا وأصحاب ضياع وأطباء، بل إن أهل الذمة نظموا أنفسهم، بحيث كان معظم الصيارفة الجهابذة في الشام مثلا يهودًا، على حين كان أكثر الأطباء والكتبة نصارى، وكان رئيس النصارى ببغداد هو طبيب الخليفة، وكان رؤساء اليهود وجهابذتهم عنده".

حق تولي وظائف الدولة

ولم يمنع الإسلام أهل الذمة من تولي وظائف الدولة؛ لأنه يعتبرهم جزءا من نسيج هذه الدولة، كما أنه لا يحب لهم أن ينعزلوا، ولأهل الكتاب تولي كل الوظائف إلا ما غلب عليه الصبغة الدينية كالإمامة ورئاسة الدولة والقيادة في الجيش، والقضاء بين المسلمين، والولاية على الصدقات ونحو ذلك.

فالإمامة أو الخلافة رياسة عامة في الدين والدنيا، خلافة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يجوز أن يخلف النبي في ذلك إلا مسلم، ولا يعقل أن ينفذ أحكام الإسلام ويرعاها إلا مسلم.

وقيادة الجيش ليست عملا مدنيًا صرفًا، بل هي عمل من أعمال العبادة في الإسلام إذ الجهاد في قمة العبادات الإسلامية.

والقضاء إنما هو حكم بالشريعة الإسلامية، ولا يطلب من غير المسلم أن يحكم بما لا يؤمن به.

ومثل ذلك الولاية على الصدقات ونحوها من الوظائف الدينية.

وما عدا ذلك من وظائف الدولة يجوز إسناده إلى أهل الذمة إذا تحققت فيهم الشروط التي لا بد منها من الكفاية والأمانة والإخلاص للدولة، بخلاف الحاقدين كالذين قال الله فيهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتِّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} (آل عمران: 118).


بل صرح الإمام الماوردي بجواز تولي الذمي "وزارة التنفيذ" بخلاف وزارة التفويض، ووزير التنفيذ هو الذي يبلغ أوامر الإمام ويقوم بتنفيذها ويمضي ما يصدر عنه من أحكام.

أما "وزارة التفويض" التي يكل فيها الإمام إلى الوزير تدبير الأمور السياسية والإدارية والاقتصادية بما يراه.

وقد تولى الوزارة في زمن العباسيين بعض النصارى أكثر من مرة، منهم نصر بن هارون سنة 369 هـ، وعيسى بن نسطورس سنة 380هـ، وقبل ذلك كان لمعاوية بن أبي سفيان كاتب نصراني اسمه سرجون.

وقد بلغ تسامح المسلمين في هذا الأمر أحيانًا إلى حد المبالغة والجور على حقوق المسلمين؛ مما جعل المسلمين في بعض العصور يشكون من تسلط اليهود والنصارى عليهم بغير حق.

وقد قال المؤرخ الغربي آدم ميتز في كتابه "الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري" (الجزء الأول ص105): "من الأمور التي نعجب لها كثرة عدد العمال (الولاة وكبار الموظفين) والمتصرفين غير المسلمين في الدولة الإسلامية؛ فكأن النصارى هم الذين يحكمون المسلمين في بلاد الإسلام والشكوى من تحكيم أهل الذمة في أبشار المسلمين شكوى قديمة".
وصايا نبوية بأقباط مصر خاصة

ويرى القرضاوي أنه إن كانت لأهل الذمة حقوق فإن أقباط مصر لهم شأن خاص ومنزلة خاصة، وذلك انطلاقا من الأحاديث النبوية الداعية إلى هذا، من ذلك ما روت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أوصى عند وفاته فقال: "الله الله في قبط مصر؛ فإنكم ستظهرون عليهم، ويكونون لكم عدة وأعوانًا في سبيل الله" (الطبراني).

وفي حديث آخر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "... فاستوصوا بهم خيرًا؛ فإنهم قوة لكم، وبلاغ إلى عدوكم بإذن الله" يعني قبط مصر (رواه ابن حبان).

وقد صدَّقَ الواقع التاريخي ما نبأ به الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فقد رحب الأقباط بالمسلمين الفاتحين، وفتحوا لهم صدورهم، رغم أن الروم الذين كانوا يحكمونهم كانوا نصارى مثلهم، ودخل الأقباط في دين الله أفواجًا، حتى إن بعض ولاة بني أمية فرض الجزية على مَن أسلم منهم، لكثرة من اعتنق الإسلام.


بل يجعل الرسول لأقباط مصر حقوقا أكثر من غيرها، وذلك فيما ورد عن كعب بن مالك الأنصاري قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا فُتِحت مصر فاستوصوا بالقبط خيرًا، فإن لهم دمًا ورحمًا". وفي رواية: "إن لهم ذمة ورحمًا" يعني أن أم إسماعيل منهم. (الطبراني والحاكم).
ضمانات الوفاء

ولم يكتف الإسلام بإقرار هذه الحقوق، بل وضع ضمانات للوفاء بهذه الحقوق، من أهمها ضمان العقيدة، فتلك الحقوق مسطرة في كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهي محفوظة في عقيدة الإسلام، وتنفيذها جزء من تنفيذ العقيدة الصحيحة.

وهي أيضا محفوظة بضمان المجتمع المسلم القائم على تنفيذ الشريعة وتطبيق أحكامها، وحقوق أهل الكتاب جزء من تلك الشريعة، ولكل مظلوم من أهل الذمة أن يرفع أمره إلى الحاكم لينصفه ممن ظلمه من المسلمين أو غير المسلمين،

وضمان آخر عند الفقهاء، الذين هم حماة الشريعة، وموجهو الرأي العام.

وضمان أعم وأشمل يتمثل في "الضمير الإسلامي" العام، الذي صنعته عقيدة الإسلام وتربية الإسلام، وتقاليد الإسلام".

والتاريخ الإسلامي مليء بالوقائع التي تدل على التزام المجتمع الإسلامي بحماية أهل الذمة من كل ظلم يمس حقوقهم المقررة، أو حرماتهم المصونة، أو حرياتهم المكفولة.

والذي يتصفح التاريخ الإسلامي يجد هذه الضمانات، من ذلك شكوى راهب أحد قواد ابن طولون أنه أخذ منه مالا، فرده إليه والي مصر، بل يصل الأمر أن للذمي أن يشكو والي البلاد، كما في قصة القبطي مع عمرو بن العاص وشكواه إياه لعمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي أنصفه.


ومن أمثلة ضمان الفقهاء موقف الإمام الأوزاعي من الوالي العباسي في زمنه، عندما أجلى قومًا من أهل الذمة من جبل لبنان؛ لخروج فريق منهم على عامل الخراج، فكتب الأوزاعي إلى الخليفة يستنكر فعله، ويذكره أن أهل الذمة أحرار وليسوا عبيدا، وحين أخذ الوليد بن عبد الملك كنيسة "يوحنا" من النصارى، وأدخلها في المسجد. واسْتُخْلِفَ عمر بن عبد العزيز شكا النصارى إليه ما فعل الوليد بهم في كنيستهم، فكتب إلى عامله برد ما زاده في المسجد عليهم، لولا أنهم تراضوا مع الوالي على أساس أن يُعوَّضوا بما يرضيهم، وتاريخ القضاء الإسلامي يشهد بذلك، كما حدث مع علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وغيره؛ مما يدل بوضوح على أن الإسلام يعتبر أهل الذمة جزءا من مجتمعه، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم
المصدر: موقع القرضاوي
www.qaradawi.net/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=4818&version=1&template_id=119&parent_id=13

 

إقرأ 15929 مرات آخر تعديل على الثلاثاء, 25 أيلول/سبتمبر 2012 08:32
FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed