البوابة

طباعة

الإدارة العلمية لبناء مصر الحديثة

Posted in الإدارة

b-dealتعد ثورة يناير واحدة من أهم الأحداث التي مرت بتاريخ مصر القديم والحديث وترجع أهـميتها في أنها حركت لدى فئات الشعب المختلفة الرغبة في إحداث التغيير وجسدت له أيضًا معنى (الممكن) بعد أن تجمدت العروق في دماء الكثيرين وأصاب الجفاف أقلام وأفكار المثقفين فانسحب البعض ونافق البعض الآخر.

 

 

لقد أصبحت الثورة واقعاً وبدأت الحياة تعود إلى طبيعتها شيئًا فشيئا واتضحت أدوار الغالبية واتيحت الفرص للحوار وإبداء الرأي كما لم يكون من قبل وإن كان الغموض يحيط ببعض الجوانب أو العلاقات أو (الأجندات) إلا أن الأمر الواضح هو أننا انتقلنا من مرحلة إلى أخرى ومن حالة إلى حالة برغم إحساس البعض بالبطء في الإنجازات إلا أنها وقياسًا على حجم وشدة التحول الذي تعيشه الأمة يعد إنجازًا غير مسبوق ما كان له أن يحدث إلا بعد مرور عشرات السنين، أن الفترة السابقة والتي انتهت في مرحلتها الحالية (بالمحاكمة العلنية) والمساءلة والمحاسبة القضائية تمثل (نقطة تحول) جديدة علينا جميعًا أن نتحمل مسئوليتها بأن نكف عن السلوكيات (العشوائية) وننتقل إلى سلوكيات (الإدارة الرشيدة والعلمية)  التي طالما كانت وراء بناء الأمم ونهضتها الاقتصادية والاجتماعية فالنماذج التي قدمتها تركيا، وماليزيا، واندونيسيا، والبرازيل وغيرها ما كان لها أن تتحقق دون أن يكون قوامها الأفكار والأساليب الإدارية السليمة التي كانت أيضاً وراء نجاح إعادة بناء المانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية.

 

إن زيارة واحدة لمدينة دبي عام 1971 وزيارة أخرى لها عام 2011 تجعلك تدرك معنى (الممكن) إداريًا، وتجعلنا ندرك كذلك معنى (الإدارة الرشيدة). نحن نحتاج إلى تطبيق أساليب تحديد الأهداف وأدوات المساءلة والاختيار السليم للقيادات والتخطيط والمتابعة وغيرها من الأساليب التي كانت وراء نجاح الأمم والمنظمات والشركات العملاقة في تحقيق أهدافها بل كانت كذلك وراء الكثير من الأمم في التعامل مع الأزمات التي تعرضت لها، فاليابان اعتمدت على أساليب الجودة الشاملة للارتقاء بمنتجاتها ومهاتير محمد اعتمد على تدعيم العلاقة بين الأثرياء من الأصل الصيني ومن الفقراء من أصل ماليزيا حتى تحقق التكامل بين العلم والثروة لبناء اقتصاد قوي.

 

لقد عقدت نقابة التجاريين بمنتصف يوليو مؤتمرًا أو ندوة حوار حول آليات تطوير الاقتصاد المصري سعيًا وراء بناء النموذج المصري للتنمية الاقتصادية الأمر الذي لم تتمكن مصر من تقديمه للعالم حتى الآن. فالجميع يولون وجوههم بعيدًا عن بناء (المنهج المصري في التنمية الاقتصادية أو الإدارية) أو لبناء (النموذج الفكري اللازم لإعادة صياغة قيم العمل والتعامل) بأجهزة الدولة ومرافقها، بل على العكس من ذلك ظهرت دعوة إلى إلغاء وزارة التنمية الإدارية.. ربما لأنها كانت غائبة أيام الثورة وبعدها فتعود البعض على غيابها.


إن البناء الإداري للتغيير الثوري الذي تشهده مصر له نفس أهـمية البناء الثقافي والسياسي التي تسعى الدولة في تطبيقه وتنشط الأحزاب والائتلافات للتأكيد عليه.

 

إن الإدارة السليمة تعني باختصار:

 

1)    التحديد الواضح للأهداف من وراء أداء أنشطة معينة فالاستمرار في القيام بأعمال نمطية أو روتينية دون أن يكون هناك أهداف محددة يعد هدرًا لموارد الدولة.

2)    الاختيار السيلم للكفاءات القيادية استنادًا إلى معايير معلنة وتسابق شريف بين المتقدمين لشغل هذه المناصف وأن ينعدم التعيين لأسباب غير الكفاءة إلى أدنى حد ممكن.

3)    الاتفاق على مجموعة من أدوات قياس مدى تحقق الأهداف التي سبق لنا وأن حددناها.

4)    التقييم العالمي لأداء القيادات دوريًا وذلك بأدوات موضوعية ومفهومة وثابتة ومعلنة على أن يتم التقدير والتقييم المادي والمعنوي سلبًا وإيجابًا في أعقاب هذا التقييم ويتم الإعلان عنه أيضًا لتدعيم الشفافية.

نحن نحتاج من كل مسئول جديد أو قديم أن يقدم لنا هذه المكونات الأربعة وأن يكون لديه فهمًا قاطعًا لهذه المكونات بالنسبة لوظيفته خلال فترة تولية المنصب.

إن غياب هذه العناصر هو فقد لآليات القيادة بقاطرة التقدم للأمام أيا كان حجمها وسرعتها، فكيف لنا أن نقود قاطرة التقدم والتغيير دون أداة للإدارة والتوجيه.

 

لقد عاشت مصر طوال الثماني شهور الماضية وهي تجني ثمار الثورة بكل معاني الحصاد وتفتحت عيون المواطنين على كافة مجالات الأسى والأمل وتباينت رؤى المتطلعين للمستقبل بين متسلق وانتهازي وسارق أمل ومتربص وبين بناة الشرعية الدستورية وحماه مكاسب الثورة ووطنيين يزرعون المؤسسية والحكمة والتروي والسيادة لكل المعالم اللازمة لبناء الدولة الحديثة. نحن نحتاج إلى العمل المنظم الجاد والموجهة لخدمة الوطن والمواطن ونحتاج كذلك إلى تحمل الغموض الذي قد نواجه ونحن نعبر أنفاق الفساد المظلمة. إن النظام الإداري المتطور والعمل الجاد وعدم التسرع واستعجال ظهور النتائج كفيل بتدعيم الخطوات الإيجابية باتجاه الاصلاح والتغيير تحقيقًا للحرية والعدالة والكرامة.. فلم يعد ملائمًا أن يتوقف الأمر عند حدود التعبير عن المطالب أو تعطيل المصالح لتحقيق مطالب عاجلة بل أصبح من الضروري أن نعمل معًا لبناء الوطن الذي تجاوز فترة دقيقة كادت تخرج الثورة عن مسارها وتهدر ما تحقق بسبب فتنة مفتعلة أو نوايا وأجندات خاوية على عروشها إلا من مطامع شخصية أو حزبية تناست مصلحة الوطن والمواطن. إن الإدارة السليمة هي الحل الواحد الصحيح في ظل هذه الظروف كما كانت دائماً بالنسبة للدول التي عايشت مخاطر الثورات أو الطفرات أو الحروب والأزمات الاقتصادية العالمية فهل آن الأوان لإعلاء صوت الإدارة العلمية أسلوبًا للعمل ومنهجاً لتحقيق أهداف الثورة في بناء مصر الحديثة.

 

المصدر : www.portal.pmecegypt.com